غرفتي

ما عّم بكتب، لكتير أسباب ومنها إني أشعر برضا معين من الحياة وبالطبع أشهر بهلع كوني أشعر بهذا الرضا خوفا من ذهابه، فمن أنا لأرضى وغيري يموت، لكنها فكرة أحاول تجويعها. 

قبل فترة قدرت أشارك غرفتي مع شخص عزيز، وما زال الفكرة في عقلي ممزوجة مابين الحلم والواقع. فغرفتي هي قوقعة عقلي التي اسرح فيها بالفراغ.

ومن ما يقلقني هو أنني لم أسرح في الفراغ من فترة، لم أرسم ولم أكتب، هناك جزء مني يعاني من احباط متعمق من جماليات الكون والأمل. 

لكن إن كنت أسرح في جماليات مؤخراً فهي جماليات التفاصيل، تفاصيل بشكل عام وتفاصيل ذاك اليوم بالتحديد، وأرسمه لوحةً وأحضره مسرحية، أغنيه أنغاما. باركني الله بهذه التفاصيل، التي لا أحلل ابعادها الميتافزيقيا بل أكتفي بالوقوف أمامها.

قبل فترة تعرفت على طفلة، تدعى نغم، وكم ارغب باحتضانها الأن، أذكر رائحتها. لم نتبادل أي كلمات، عندما حملتها مسكت رأسي وبدءت باستكشاف معالم وجهي وضعت يداها على خدي، وثم شعري، وأنهت جولتها بترك بصماتها على نظراتي. وطلبت النزول بحركة من يدها بصمت.

في لحظات أشعر أنني نغم. ألمس تفاصيل ما حولي وادع حواسي تشعر بعلاقتها به

أصبحت غرفتي  ملجأ حرب وحفرة الأرنب التي تقع فيها أليس، خزانة نارنيا، الحديقة السرية وغرف هوغوارتز وذلك المطبخ الجميل الذي احلم به.

لم أكن من المقدرين للمساحات إلا مؤخرا وذلك لعدة أسباب، أهمها أنني استمعت لمحاضرة من صديقي عن مدينتي ومبانيها وكأنما رفع الخمار عن مدينة لم استوعبها من قبل، والسبب الأخر هو تعلق صديقة لي بمساحة خسرتها قبل الحرب، وهي من تذكرني ان المساحة نعمة، لكنها سريعة الزوال.

لطالما كنت أحلم بمشاركة غرفتي فهي مساحتي وعمان الخاصة بي، وإن لم تكن أجمل مافي الكون لكنها اعتادت على وجودي، وامتصت جدرانها ضحكاتي، بكائي، صوتي، ونفسي أثناء نومي.

بعد ذلك قضيت ما يقارب الشهر أدرس، وعلى خلاف عادتي، التي كانت تدعوني للدراسة خارجها. كانت غرفتي خندقاً عسكرياً للأكاديميا.  كنتيجة لوجودي المطول فيها خضعت للقليل من التغيرات، وأصبحت من أشد المصريين على أناقتها الدائمة. وأتأنق للجلوس فيها. أقدسها. أضم نفسي وأحبط الفراغ.

أصبحت غرفتي ملجأ الضربات الجوية الذي كان لدى بيت جدي وقت حرب ال ٦٧. ومخزن الأطعمة لذاك الفلم الذي تعيش فيه عائلة تحت الأرض ٣٠ عاما خوفا من النووي. 

واليوم تركتها لساعات طويلة وفي مرحلة كنت أسرع في السيارة وصولاً لها، كالغطاس الذي انتهت عبوة الأكسجين الخاصة به. ومع أنني على ما يبدو استمتع بالعالم الخارجي، لكنني اكتشفت انني اتعب بسرعة خارج الغرفة فأنا كالمدخن والدخان هو العالم وبدءت اسعل عند استنشاقه. قد يكون داء كل أنثى شرقية، فهذا اقتراح صديقتي، هو شوق متأصل للأمان.

كم أتوق إلى سلام في عالمها.