عاقل راشد كامل الأهيلة

كنت في طريقي اليوم الى اجتماع, واذ بي كالعادة اتوه, فسلكت طريقا أخر ابتعادا عن الازدحام, طريق قريب عن شارع سكنته قبل 7 أو 8 سنوات

في ذاك المنزل احتفلت بعيد ميلادي الحادي عشر, راقبت الجيران من فوق خزان المياه, أضعت مفتاح المنزل, فقع الغاز بوجه أمي, بلغت, شاركت نفس السرير مع أختي الصغيرة, رقصت على ألحان أجنبية بعد ما أحكمت غلق الباب. أما المنزل الذي كان فوقنا فتاريخه أقدم من عيد ميلادي الحادي عشر, هو منزل خالتي, ما زلت أحلم به الى اليوم, الألعاب الصغيرة المصفطة في غرفة ابنة خالتي, ولعبة المونوبولي التي تدوم ساعات, شباك المطبخ, رائحة المنزل, الأضواء الخافتة, وأفلام ديزني, بكائي عندما أضعت أحد ألعاب أقراني. كم كان ذاك المنزل حلما وبؤساَ, كم حلمت بذاك المنزل وكم كنت أرجف رعبة منه

أما اليوم وبالتحديد الساعة 6:45, لم أجده

لقد أختفى من على وجه الأرض فنشله القدر وأصبح رقعة أرض خاوية, نظرت حولي أحاول أن أتأكد من الشارع, مازالت الدكانة الصغيرة حيث كنت أشتري السجائر لأبي, والبوظة لي في مكانها, مازالت نفس العمارة البنية اللون تحاذيها, وما زالت حديقة الجيران التي تلصصت دوما عليها موجودة, لكن البيت أختفى, بحثت عن مكان ما أضعت مفتاح البيت مرةً قرب حائط بيت الجيران, حاولت أن أستوعب ضخامة الأحلام, وكثرة القصص, وينتقل شريط الفيديو من ألوان الربيع الى السواد المطقع, أين ذهبت السلحفة الهائلة في الحديقة الخلفية؟ وقطيع النمل ذا الحجم المهرمن؟ وخزان المياه الذي احتوى كتبي الصغيرة. غمرني اليأس.

كم من السهل هدم حلب؟ وكم من السهل هدم قصص الطفلة قبل أن تكتمل؟ لكن قصتي أكتملت

وها أنا مواطن عاقل واعي مضيع هويتو, أستطيع أن أصوت وأعاقب على أخطائي, لم تعد تأملات الطفولة لعبة.

رأيت ذلك الخواء, ركبت السيارة, قفلت الأبواب, ومشيت في طريقي للاجتماع. لم أسمح للدموع بالتسلل , بل أصبحت بالغة لا حق لي بمداعبة كل مشاعري وأفكاري. فتتألم وتتماسك نفسك, حتى الشهر الماضي كنت أعاني من عوارض الإغماء لكني تماسكت نفسي, دخلت أختي الصغيرة للسيارة اليوم واذ بي أستذكر حلماَ ويملئ جسدي الرعب, لكني ابتسمت لها واستمعت لشكاويها الدائمة وقلبي يرجف, وفي المحاضرة يدوي بجسدي ألم بسبب عوارض أنثوية, ألزم الصمت والجمود في مقعدي, لم تعد مشاعري مركز الكون بل أصبحت مشاعر غيري هي ذلك, لم تعد ألامي تراجيديا العصر وانما هي سرد عادي لمجريات الحياة. كم أتخيل لحظات انهيار تام, أبكي فيها عن كل ما لم أنبس به ونبست به للخواء فلم يسمعني, فأرتاح قبل أن أمشي مجددا. كلي مشاعر ولم أعد طفلة, وكم تبدو الأشياء وردية اذ استذكرناها بأسلوب لاواقعي. وكم لنا من مجال للتشكيك بحدوثه عندما تكون الذاكرة مرجعنا الوحيد, يبدو الماضي كحلم بعيد.

, مازلت أحلم بالحديقة السرية